تمـهـيـد

لكتاب مواضيع الحرية وحقوق الإنسان

للكاتب عبد الله خمّار

 

يصعب تحديد خط دقيق فاصل بين المواضيع الاجتماعية والسياسية، فهي مواضيع متداخلة متشابكة يؤثر بعضها في بعض تأثيرا متبادلا. لكن ما اصطلح على تسميته بالمواضيع السياسية، هي تلك التي تهتم بحقوق الإنسان، وأهمها حقه في الحياة والحرية والملكية والأمن. والحرية هي أهم حق من حقوقه بعد الحياة بل أفضل منها، فالموت خير من الحياة في ظل العبودية والاستعمار والاستسلام. وينجم عن حق الإنسان في الحرية، حقه في التعبير عن رأيه، وفي اختيار ممثليه في المجالس التشريعية دون إكراه، وحرية العبادة والتنقل، والحرية النقابية، والجمعوية دون المساس بحرية الآخرين أو الانتقاص من حقوقهم.

من أجل ذلك آثرنا أن نسمي هذا الكتاب "مواضيع الحرّيّة وحقوق الإنسان" بدلاً من "المواضيع السياسية"، لأن كل سياسة صالحة تهدف إلى حرية الأفراد والمجتمعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، شريطة ألا تعتدي حرية الفرد على حرية غيره من الأفراد، ولا حرية مجموعة من المجموعات على حرية مجموعة أخرى في المجتمع نفسه سواء أكانت هذه المجموعة أغلبية أم أقلية، ولا حرية مجتمع على حرية مجتمع آخر، كما تهدف إلى إقامة العدل والمساواة بين المواطنين جميعا بصرف النظر عن أديانهم وطوائفهم وأعراقهم وألوانهم. هذه السياسة هي نقيض لسياسات الاستعمار والتوسع والاستبداد والتسلط والتمييز العنصري والطائفي التي تهدف إلى إذلال الأفراد والمجتمعات واستغلالها أبشع استغلال.

وقد كان الروائيون في طليعة من دافعوا عن حقوق الإنسان وحريته ضد كل أشكال العبودية والظلم وأهمها: الرق والاستعمار والاستبداد بكل أشكاله الفردية والحزبية، وخلدوا لنا في رواياتهم مواجهة الإنسان للظلم بالتمرد الفردي ضد العبودية، أو الثورات والحروب التحريرية ضد الاستعمار، والفتن الاجتماعية والثورات ضد الاستبداد، وأبرزوا الاستهتار بالعدل والتلاعب بالقانون، والمحاكمات الصورية التي يُصفى فيها المدافعون عن الحرية، كما بينوا الدمار الذي تسببه الحروب بين الدول لتضارب مصالح بعض الفئات فيها، ودعوا إلى سلام عادل، يعيش فيه الفرد حرا معززا مكرما في بلده، وتعيش فيه الشعوب في ظل الاحترام المتبادل، والمساواة في الحقوق والواجبات بعيدا عن العنصرية والطائفية والجهوية والمحسوبية.

وسوف نتعرض إلى ثلاثة أنواع من المواضيع، لنبين الخطوط العريضة والعناصر المشتركة في بنائها:

I ـ مواضيع الحرية: وهي تشمل كفاح العبيد والأرقاء لاسترداد حريتهم، وكفاح الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار للحصول على استقلالها، وكذلك كفاح الشعوب للخلاص من الاستبداد بكل أنواعه الفردية والحزبية، ولأن الرق هو استعباد الإنسان للإنسان، والاستعمار هو استعباد شعب لشعب، والاستبداد هو استعباد فرد لشعب، فمواضيعها تتشترك في العناصر الآتية:

1 ـ  ممارسات القهر والإذلال:

فسواء تعلق الأمر بمالكي العبيد والأرقاء، أم بالمستعمرين والمستبدين فالممارسات واحدة، وهي خنق الحريات وسياسة التجويع، ومصادرة الممتلكات والأموال، وتجنيد الرجال والنساء في أعمال السخرة، والاستهتار بكل الحقوق التي منحها الله للإنسان.

      2 ـ شدة المعاناة:

ويعاني الأرقاء كما تعاني الشعوب في ظل الاستعمار والاستبداد وطأة الجوع والفقر والحرمان وانتشار البطالة، وتفشي الجهل، وانتشار الآفات الاجتماعية.

      3 ـ ردود الفعل: وتتخذ ردود الفعل أشكالا مختلفة فهي إما تمرد وثورة ومواجهة، فقد يتمرد العبيد، ويثور الشعب ويعبر عن ثورته بالمظاهرات والعصيان والتنظيمات السرية والمنشورات والهجوم على جنود المستعمر والخونة المتعاونين معهم، أو مقاومة المستبد ورجاله وإما فرار وهجرة، حيث يفر العبيد إلى أرض الحرية، ويهاجر السكان هربا من ظلم المستعمر أو المستبد. ولكن بعضهم يتعاون مع الجلادين أو المستعمرين أو المستبدين ضد أبناء جلدته وبعضهم يرضخ للأمر الواقع ويستسلم لليأس.

      4 ـ القمع:

تقابل المقاومة بالقمع، حيث يجلد العبيد المتمردون، ويطارد الفارون منهم ويعذبون ويشنقون، ويسجن المناضلون ضد الاستبداد ويعذبون، ويقدمون إلى محاكمات صورية، تنتهي غالبا بإعدامهم.

      5 ـ ضرورة التنظيم لنجاح المقاومة:

وسواء تعلق الأمر بالعبيد أم بالرازحين تحت تير الاحتلال أو الاستبداد، فالتمرد الفردي والفوضوي لا يجدي، ولابد من تنظيم المقاومة، وهنا تطرح مشاكل القيادة وصفاتها ومؤهلاتها، والتناقضات  فيما بينها.

6- تعاطف المنصفين من الأفراد والشعوب مع المستضعفين:  

حيث نجد بعض البيض في الولايات المتحدة نفسها، تعاطفوا مع العبيد وساعدوهم على الفرار نحو الحرية، وهناك من كان يعتق عبيده. وقد قامت حرب بين الولايات الشمالية والجنوبية من أجل هذه المسألة، كما أننا نجد كثيرا من المثقفين وذوي النزعة الإنسانية في أوربا يقفون ضد الاستعمار. وإذا أخذنا الجزائر كمثل نجد تعاطف الشعوب العربية والإفريقية معها وهذا طبيعي، ولكننا نجد تعاطف بعض المثقفين الفرنسيين مع قضيتها وثورتها. كما أن شعوب العالم الآن تقف متعاطفة مع الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، ومنظمات حقوق الإنسان تشير بإصبع الاتهام إلى كل نظام مستبد وتفضح ممارساته.

بناء مواضيع الحرية وحقوق الإنسان:

ويمكن بناء هذه المواضيع استنادا إلى العناصر السابقة أو بعضها، بالتركيز على ممارسات القهر والإذلال وشدة معاناة الشعب ونظم مقاومته مثلما أظهر الروائي "محمد ديب" في ثلاثيته، و"مولود فرعون"  في الدروب الوعرة، و"الطاهر وطار" في اللاز وعبد الحميد بن هدوقة في "نهاية الأمس".

II مواضيع الفتن والحروب:

وهي التي تتعرض إلى الفتن الداخلية، والحروب بين الشعوب، وتشترك في العناصر الآتية، التي يصورها الروائيون أو يصورون بعضها:

1 ـ أسباب الفتن والحروب: عوامل اقتصادية كالبطالة والفقر والتفاوت في الدخل بين طبقات المجتمع بالنسبة للفتن، والتنافس على الأسواق الخارجية بالنسبة للحروب بين الدول الكبرى، والتوسع الاقتصادي واحتلال مناطق المواد الخام للصناعة والمناجم ومنابع النفط بالنسبة للحروب الاستعمارية، يضاف إليها بالنسبة لكل أنواع الفتن والحروب عوامل عنصرية ودينية أو مذهبية.

      2 ـ معاناة الناس أثناء حدوثها: يشترك الروائيون في وصف معاناة الناس أثناء الفتن والحروب من فقدان للأغذية وتهديم للمرافق الحيوية وتشريد للأسر وتجنيد للفتيان الصغار، وقتال من أجل الحصول على اللقمة والدواء لانتشار المجاعة والأوبئة، وقتل المدنيين، والخوف والغارات الجوية، وخراب البيوت والاعتداء على الحرمات، ومصادرة الأرزاق، وهجرة السكان بحثا عن الأمن.

      3 ـ نتائجها الوخيمة: أما نتائج الفتن والحروب فهي نتائج وخيمة على الطرفين وإن بدا فيها غالب ومغلوب، ولكن الحقيقة أن كلا الطرفين خاسر فيما عدا تجار الحروب.

ويحاول الروائيون إظهار ذلك بتركيزهم على هذه العناصر أو بعضها:

        أ ـ انهيار القيم في المجتمع بفقدان الثقة فيها وفي جدواها.

       ب ـ انهيار الثقة في الأفراد مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وصعوبة التعامل الإنساني.

ج ـ  تفكك الأسر وتشردها.

د- دمار البنية التحتية للدول المحاربة من مصانع ومدارس  ومستشفيات ومرافق حيوية أخرى ودمار الأبنية.

ه- فساد الأخلاق وانتشار الآفات الاجتماعية كالسرقة والمخدرات والتجارة بالأعراض.

و- تكاثر الأرامل واليتامى واللقطاء.

ز- انتشار الأمراض النفسية والمعتوهين والمجانين.

ح- مشاكل الأسرى والمفقودين.

   III- المواضيع الحساسة: وهي مواضيع التمييز بين الناس بكل أشكاله العنصرية والدينية والجهوية والحزبية، أو أي نوع من أنواع التمييز وقد دعوناها المواضيع الحساسة، لأن الناس يتحاشون الحديث عنها صراحة، وينكرون وجودها أحيانا، ولكن الروائيين يطرحونها حتى لا تبقى بؤرا للتوتر في المجتمع نتيجة التعصب بكل أشكاله. ويبرز الروائيون العناصر الآتية التي تشترك فيها هذه المواضيع:

        أ ـ إظهار معاناة بعض الفئات العنصرية أو الأقليات الدينية، في ظل مجتمع عنصري أو ديني متعصب.

       ب ـ كشف بعض الممارسات القائمة على التمييز في بعض المجتمعات والدول:

1 ـ التمييز القائم على الحكم المسبق الديني أو العرقي أو اللغوي أو الجهوي أو الحزبي ضد الآخرين، في التعامل والتوظيف وعلاقات الجوار والعلاقات الأخرى.

 2 ـ رفض الاختلاف الطائفي والعنصري واللغوي ومطاردة أصحابه وتخويفهم وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية في التعبير والعبادة والمشاركة في المجتمع.

3 ـ كشف ممارسات بعض المنظمات السرية التي يمكن أن تنحرف عن مهمتها النبيلة المعلنة وتعمل لمصلحة أفرادها على حساب مصلحة المجتمع، لأنها لا تعمل في الشفافية.

4 ـ كفاح بعض الأفراد والجماعات، وتضحياتهم للقضاء على كل أنواع التمييز، ولإقرار حق الناس في الاختلاف وسيادتهم أمام القانون فالله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين في العرق واللون واللغة، وجعل معايير المفاضلة بينهم التقوى والعمل الصالح. قال تعالى:

 "يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير."

الآية 13 من سورة الحُجرات

 لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الأول: دراسة المواضيع - موضوع الطفولة لمحمد ديب

للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا:  مواضيع الحريـّة

للاطلاع على الكتب التعليمية الأخرى للكاتب انقر هنا: كتب أدبية وتربوية